بين من يراه متعجلا ومن يراه عصريا .. يبقى الشارع متوجسا من هذا القانون
زاد الحاج أبو سليمان سرعته بشكل عصبي أثناء قيادته سيارته العمومية وسط دمشق دون أن يحاول إخفاء امتعاضه من قانون السير الجديد,
وانبرى يسرد عشرات الأمثلة عن الحالات التي يضطر بها إلى مخالفة هذا القانون, متسائلا إن كان من حدد مخالفة التوقف في غير المواقف الرسمية بأربعة آلاف ليرة قد سبق وأن عاش في سورية.
ورغم أن أبو سليمان ,الخمسيني ذو الذقن البيضاء, يقر بضرورة التقيد بقوانين السير لأن "القيادة في هذا البلد مثل الذهاب في مغامرة غير مأمونة العواقب", ولأن حوادث السير باتت كثيرة جدا, , إلا أنه يرى القانون الجديد "شطحة" من المسؤولين وغير قابل للتطبيق, وكل ما سيحدث هو "زيادة تسعيرة الشرطي".
أما رامي.ج ,الذي يملك سيارته الخاصة, فيرى أن اقتناء السيارة أصبح بحد ذاته "نوع من الغباء", فبين تكلفة البنزين العالية والصعوبات الكبيرة التي تواجهها عند الدخول إلى المدينة, و"التسلح برضى الوالدين" لتجد موقفا تركن فيه وصولا إلى قانون السير الجديد وما يعنيه ذلك من "ارتفاع الأتاوة" يجعل استخدام التاكسي أو السرفيس "أشرف".
ورغم التململ الواضح من الغرامات المالية الكبيرة وإضافة عقوبات جديدة تتمثل بنظام النقاط التي تتناقص مع ارتكاب كل مخالفة انتهاء بسحب شهادة القيادة, إلا أن الجميع تقريبا يعترف بوجود "فوضى" مرورية في سورية, وتبدو المشكلة أوضح في المدن المكتظة.
ويقول أبو الوليد, الذي عمل سنوات طويلة في الخليج العربي, "في دول الخليج تجد حركة السير مثل الساعة والمخالفات فعلا عالية جدا, لكن أولا هل دخل المواطن في الخليج مثل المواطن السوري, وهل تتوفر للسوري الخدمات المرورية التي تتوفر للخليجي؟ ".
ويتضمن القانون الجديد الذي هو تعديل للقانون السابق نحو التشدد في غرامات وعقوبات مخالفات السير التي أصبحت تتراوح بين 200 ليرة سورية و 100 ألف ليرة سورية والسجن لمدة عام.
وأضحت في القانون الجديد مخالفة الإشارة الضوئية ومخالفة خروج دخان مضر بالصحة وعدم تشغيل بعض أو كل الأضواء ليلا سبعة آلاف ليرة سورية, كما أصبحت مخالفة عدم وضع حزام الأمان والتوقف رتل ثاني وإركاب طفل في المقعد الأمامي والوقوف على الرصيف ألفا ليرة سورية.
أما مخالفة انتقاء الركاب من قبل السيارات العمومية وعدم الوصول إلى نهاية الخط وعدم التقيد بالمواقف الرسمية فقد أصبحت أربعة آلاف ليرة سورية.
لن يطبق على الجميع
الإعلامي د. سمير صارم وصف قانون السير الجديد بأنه "قانون عقوبات السير", متسائلا "هل لدينا البنية التحتية والمواقف المناسبة حتى أمام المشافي لكي تكون مخالفة الوقوف رتل ثاني ألفي ليرة؟ ".
ومن جهة أخرى, تساءل صارم في حديث لـسيريانيوز "هل لدينا الكادر الشرطي القادر على تطبيق هذا القانون بحيادية, أم سوف يستغل هذا القانون في أمور نخشى أن نسميها؟ ", مشيرا إلى أن غالبية عناصر شرطة المرور "غير مؤهلين".
وفيما أكد د. صارم على أنه ليس ضد العقوبات على المخالفين إلى أقصى حد", قال "من الذي سوف يعاقب؟ .. أنا واثق أن هناك من يستثنى من هذه العقوبات, ولن تطبق على الجميع".
واعتبر أن "هناك عجلة في إصدار هذا القانون قبل أن يتم إيجاد الظروف المناسبة لتطبيقه من بنية تحتية وشرطة مؤهلة ومتفهمة للحالات وإشارات مرور نظامية من حيث الفاصل بين الإشارة البرتقالية والحمراء مثلا".
ولفت إلى أن "سائقي التكاسي والسرافيس هم من ذوي الدخل المحدود ومخالفة واحدة حسب القانون الجديد قد تكون عمل عدة أيام بالنسبة لهؤلاء".
عصري وفعال وبحاجة لسلة حلول متكاملة
إلا أن الخبير في الوقاية من الحوادث محمد الكسم اعتبر قانون السير الجديد "نقلة نوعية للسلامة المرورية في سورية, وهو قانون متطور وفعال", مشيرا إلى أن اعتماد نظام النقاط "سوف يردع الذين لا تهمهم الغرامة المالية لأن هذا النظام يؤدي إلى سحب الشهادة عند تكرار المخالفة أو ارتكاب مخالفة كبيرة إضافة إلى عقوبة حجز الحرية ".
وحول الامتعاض من الغرامات الكبيرة التي يتضمنها القانون الجديد قال الكسم إن "معظم دول العالم مرت في هذا المخاض .. حوادث سير سببت ضجة شعبية, ثم قانون سير متشدد أدى أيضا إلى ردة فعل معاكسة على المستوى الشعبي, لكن النتائج فيما بعد تحول ردة الفعل المعاكسة هذه إلى رضى".
وتوقع أن "نحصد الفائدة من القانون الجديد بعد عام من تطبيقه, وسوف تؤكد الإحصائيات وانخفاض عدد ضحايا السير من الذي كان على صواب".
واعتبر أن "المبالغ المالية المفروضة كغرامات على المخالفات في هذا القانون تعتبر عادية جدا في معظم دول العالم. لأن التجربة العالمية أثبتت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لضبط فوضى الشارع".
وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق هذا القانون على أرض الواقع بشكل جيد قال الخبير في الوقاية من الحوادث إن "تطبيق القانون , وخاصة بالنسبة للطرقات خارج المدن, يحتاج إلى استخدام شبكة مراقبة الكترونية, مراقبة نزيهة وصادقة وعين لا تنام".
وأمل ان يتم زيادة عدد الرادارات التي قال وزير الداخلية إن العمل جار لدراسة استيرادها من 50 رادارا إلى 200, "لكي نحل هذه الكشلة مرة واحدة".
وقال إن "الاستثمار في سلامة السير هو مربح تجاريا", موضحا أن وزارة الصحة تدفع نحو 20% من خدماتها في المشافي لمصابي حوادث السير وهذا رقم كبير يمكن أن نوفر جزءا كبيرا منه إذا قللنا من عدد هؤلاء المصابين, علاوة على أن التقيد بالسرعة المحددة يخفف من استهلاك الوقود واهتلاك أجزاء المركبة والانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة.
وعن تفعيل القانون داخل المدن قال الكسم "يجب أن توجد خطة عمل وطنية لإيجاد مرائب طابقية وحل مشكلة الإكتظاظ الذي لم يعد يطاق", لافتا إلى أهمية أن تكون أسعار هذه المرائب رمزية تتناسب مع دخل المواطن لكي تؤدي الغرض منها.
وأمل أن تخصص نسبة من المخالفات المرورية لشرطة المرور "حتى يكون لهذا الإنسان الذي يقف تحت مختلف الأحوال الجوية القاسية حوافز وطبيعة عمل مجزية إضافة إلى عملية تأهيل للشرطة لكي نضمن تطبيق نزيه لقانون السير".
وعما إذا كان تخصيص نسبة من المخالفات لشرطي المرور سيدفعه إلى زيادة المخالفات, قال الكسم إن "هذه المشكلة تحل بشبكة الرقابة الإلكترونية", مشيرا إلى أن "الحلول هي سلة متكاملة وليست حلول جزئية ليتم تفعيل هذا القانون الذي يدل فعلا على جدية في معالجة الأزمة المروية والاهتمام بسلامة المواطنين".
وحتى يتم تطبيق هذه الحلول المتكاملة ,التي يعرفها معظم المواطنين العاديين من سائقين ومشاة, يقول أبو سليمان إنه يفكر بترك مهنته كسائق تكسي عند البدء بتطبيق القانون الجديد بعد ثلاثة أشهر من الآن, متمنيا لو يتم قبوله كشرطي مرور "لأن هذه المهنة باتت أربح
موضوع: قانون السير الجديد .. حديث الشارع السوري هذه الأيام 
الخميس فبراير 21, 2008 6:46 am
